سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موقف الإمام مالك الجريء من منهج أهل الأهواء الدنيء
( الحمد لله ذي العظمة والكبرياء، والمجد والثناء ، تعالى عن الأنداد والشركاء ، وتقدس عن الأمثال والنظراء ، والصلاة والسلام على نبيه وصفيه محمد خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد :
فإن بعض الفضلاء من أهل الرغبة في إتّباع السنة والجماعة سألني أن أجمع له ما صح عن الإمام مالك بن أنس في ذم البدعة ومقترفها ، وأقومَ بنشره في شبكة سحاب، لتعم الفائدة ، ويتبصر الجاهل ، فلم أبخل في استجابة طلبه ، وزادني رغبة ما رأيته من بعض منتحلي مذهب مالك من تململهم في البدعة ، ونشرهم لها تحت غطاء مالك الإمام ، بل والله من نظر في حال بعض المالكية المتأخرين وقام بمقارنته بمنهج الإمام مالك رحمه الله بإتقان وعلم فإنه يوصاب بدهشة والذهول إذا لم أقل بالإغماء ، لما يراه من تباين وتنافر بين منهج الإمام ومنهج المنتسبين إليه زورا للضحك على المغفلين ، ولابتزاز أموالهم ، وكذلك وافق الطلبَ بحثٌ قمت بجمعه منذ زمن بعيد وأظن من سنة 1412من هجرته، وعنونت له(من جهود علماء المالكية في خدمة العقيدة السلفية) ساعدني على تلبية الرغبة ، والله الموفق .
والله أسأل أن ييسر إتمامه على الحسن ، وصدوره في يسر ، وفي هذا الجزء زبرت ما صح عن الإمام مالك في باب الإيمان و الأسماء والصفات والقضاء والقدر، وموقفه رحمه الله من أهل الأهواء ، من المرجئة والقدرية والخوارج ، وغيرها من فصول اعتقاد أهل السنة والجماعة مما هو مدون في موضعه .
وأما في هذه العجالة فسأقوم بنشر مذهب الإمام مالك في ذم البدعة والفرق الضالة ، حتى يدرك من هو منتسب إلى مذهب مالك المنهجَ السليمَ الذي كان عليه هذا الإمام ، ويتخلص من تخرصات بعض المالكية الذين جمعوا في أكفهم تأويل الأشاعرة ، وجهالات الصوفية من حلول ، وقبورية ، وشركيات جلية كالاستغاثة بغير الله ، والتقرب إلى الأضرحة بالقرابين ، ودعاء الموتى عند المصائب والشدائد ، ناهيك عن البدع الكثيرة التي أعيت من همّ لجمعها في جزء خاص ، تحذيرا للخلق منها.
ورحم الله الإمام مالك فكان كثيراً ما ينشد كما نقل ابن عبد البر في الإنتقاء :
وخَيْرُ أُمُــورِ الدِّين ما كـان سُنَّة ............. وشرُّ الأمور المحدثات البدائعُ
ومن دهاء أهل الأهواء من الصوفية وغيرهم كالرافضة ، في اصطياد الخلق والسذج ، والتلبيس عليهم ، وجرهم إلى البدعة والهوى ما ذكر مقاتل بن حيان : ( أهل هذه الأهواء آفة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إنهم يذكرون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته ، فيتصيّدون بهذا الذكر الحسن الجهال من الناس ، فيقذفون بهم في المهالك ، فما أشبههم بمن يسقي الصبر باسم العسل ، ومن يسقي السم باسم الترياق ، فأبصرهم ؛ فإنك إن لم تكن أصبحت في بحر الماء ، فقد أصبحت في بحر الأهواء ، الذي هو أعمق غوراً ، وأشد اضطراباً ، وأكثر صواعق وأبعد مذهباً من البحر وما فيه ، فتلك مطيتك التي تقطع بها سفر الضلال ، إتباع السنة) انظر الإعتصام(1/142ط مشهور).
قلت : صدق رحمه الله ، فهو أسلوبهم في التقاط الخلق ورميهم في بحر الأهواء وأكبر شاهد صنيع الجفري رأس الوباء ، وإذا أنكر عليهم عاقل صنيعهم من ضجيج وصراخ ورقص ، ومدائح زنخة يزعمون فيها مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - رموه ببغض النبي ، وانتقاصه ، هذا إذا لم يكفروه ، ويؤذوه بما ملكت أيمانهم وشمائلهم ، وبسبب هؤلاء الأوباش الجُهال عمتِ البدعةُ ، وجرت أفراسها من غير مغبر ملء أعنَّتِها ، وجثم اليهود والأمركان على صدر الأمة الإسلامية والله المستعان .
وأبدأ بالمقصود بإذن الواحد الودود ، سالكاً الاختصار والإيجاز ، ومعلقاً على كلام الإمام برأس العبارة دون إسهاب أو إطناب ، فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان ، ومنه تعالى الغفران ، والوقاية من النيران .
1- ما هي السنة عند مالك رحمه الله ؟
عن عبد الرحمن بن مهدي قال : سُئِل مالك بن أنس عن السنة ؛ قال : ما اسم له غير السنة ، وتلا ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ).
وحين سأله رجل : مَنْ أهل السنة يا أبا عبد الله ؟ قال : الذين ليس لهم لقب يعرفون به ، لا جهمي ، ولا رافضي ، ولا قدري )
التعليق:
فإمام دار الهجرة يرى أن صاحب السنة من سلك صراط الله المستقيم الذي سار عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ولم يسلك زقب السبل ، ولم يتسم باسم غير السنة ، لأن الطوائف الضالة إما أن تنسب إلى الفعل ؛ كالخوارج كلاب النار نسبوا إلى فعل الخروج ، وإما أن تنسب إلى الفاعل المؤسس ، كالجهمية نسبوا إلى جهم من صفوان ، فمن انتسب إلى غير السنة ، كأن ينتسب إلى مؤسس الجماعة ، كالتجانية ، أو الرحمانية ، أو القادرية ، أو القديانية ، أو السرورية ، أوالقطبية ، أو انتسب إلى فعل الجماعة كالإخوان المسلمين ، أو التبليغ ، أو الهجرة والتكفير، أو السلفية الجهادية - زعموا - فعلى منهج مالك وهو منهج أهل السنة والجماعة فهو على غير سنة ، واقع في براثين البدعة ، وسجين عرين أهل الأهواء ، وغارق في بحر الأدواء .
سؤال : من قال أنا سلفي ، أو على منهج أهل الحديث ، أو أثري ، هل انتسب إلى فعل أو فاعل ؟
الجواب : من كان هذا حاله فقد انتسب إلى منهج كامل عمدته الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ولم ينتسب إلى نحلة أسسها مجتهد راكد ، أو فعل روّجه عنيد شارد.
2- البدع أخطر على العبد من الكبائر خلا الشرك.
ذكر عياض عن مالك من رواية ابن نافع قال: ( لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها بعد أن لا يشرك بالله شيئاً ، ثم نجا من هذه الأهواء لرجوت أن يكون في أعلى جنّات الفردوس ، لأن كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء ، وكل هوى ليس منه على رجاء ، إنما يهوي بصاحبه في نار جهنم ) الاعتصام(1/223 ط مشهور).
التعليق :
يرى الإمام مالك - رحمه الله - أن البدع أخطر على العبد من ارتكاب الكبائر ، وكلٌ شر ، وفي هذا المقطع تحذير لبعض الدعاة الذين ينفقون أوقاتهم في التحذير من المعاصي دون التعريج على البدع ، فنجد خطبة في التحذير من الخمر ، ودرساً في التحذير من القمار ، وجلسة في التحذير من التلفزيون ، ولا نجد في المقابل محاضرة في التحذير من فكر الخوارج ، ودرساً في التحذير من بدع سيد قطب ، والمودودي ، أو بعض المناهج الفاسدة المنتشرة في القارة الهندية ، أو جلسة في مناقشة بعض المناهج الحديثة التي تولدت من بعض العقول المغرورة ، كقواعد عدنان عرعور ، وتدليسات علي بلحاج ، وهراء سلمان وسفر ، وغثاء سرور ، وعرفيج أبي الحسن المأربي ، ومن تأثر بهم من الدعاة الذين كنا نحسن بهم الظن ، وما زلنا إن شاء الله نحسن الظن ببعض دون بعض إلى حين ، ما لم يتطور العفن إلى دخن فهناك القفن وعلى نفسها جنت براقش .
أقف عند هذا الحد وأنزل البقية في جلسة أخرى إن شاء الله، والعلة أن الكتابة على الحاسوب تتعبني كثيراً.
وكتبه في جلسة واحدة بعد العشاء أخوكم : أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري