5272 - (طلب الحلال واجب على كل مسلم) يحتمل أن المراد طلب معرفة الحلال من الحرام والتمييز بينهما في الأحكام وهو علم الفقه ويحتمل أن المراد طلب الكسب الحلال للقيام بمؤونة من تلزمه مؤونته والاجتهاد في المباعدة عن الحرام والقنع بالحلال فإنه ممكن بل سهل فإذا قنعت في السنة بقميص خشن وفي اليوم بخبز الخشكار وتركت التلذذ بأطايب الأدم لم يعوزك من الحلال ما يكفيك فالحلال كثير وليس عليك أن تتيقن باطن الأمور بل أن تحترز مما تعلم أنه حرام وتظن أنه حرام ظناً مع ما حصل من علامة ناجزة مقروناً بالمال ذكره الغزالي.
- (فر عن أنس) بن مالك وفيه بقية وقد مر غير مرة وجرير بن حازم أورده الذهبي في الضعفاء وقال: تغير قبل موته والزبير بن خريق قال الدارقطني: غير قوي ورواه عنه أيضاً الطبراني في الأوسط باللفظ المزبور قال الهيثمي: وإسناده حسن.
5273 - (طلب الحلال) فيه الاحتمالات المذكورات (جهاد) أي بمنزلة الجهاد في حصول الثواب عليه لأنه جاهد نفسه في تحري الحلال مع عزته وترك الحرام مع كثرته ومكابدة دقيق النظر في التخلي عن الشبهات والكف عن كثير من المباح بالورع خوفاً من الجناح وهو الجهاد الأكبر كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الآخر إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الهم في طلب الحلال.
- (القضاعي) في مسند الشهاب (عن ابن عباس حل عن ابن عمر) ابن الخطاب ورواه عنه أيضاً الديلمي وفيه محمد بن مروان السدي الصغير قال في الميزان: تركوه واتهم بالكذب ثم أورد له أخباراً منها حديث ابن عمر هذا وقال: قال ابن عدي الضعف على روايته بين.
5274 - (طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض) أي حكمه حكم من ذاق الموت في سبيل اللّه لأنه جعل نفسه يوم أحد وقاية للنبي صلى اللّه عليه وسلم من الكفار وطابت نفسه لكونه فداه وقد رأى الأمر عياناً وأصيب يومئذ ببضع وثمانين طعنة وضربة وعقر في سائر جسده حتى في ذكره وفر عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كل أحد إلا هو فثبت معه وكانوا إذا ذكروا يوم أحد قالوا كان كله لطلحة وهو أحد العشرة المبشرة وأحد الثمانية السابقة إلى الإسلام وأحد الستة أصحاب الشورى في الخلافة بعد عمر وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد الصديق سماه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طلحة الفياض وطلحة الجود لكونه غاية فيه باع أرضاً بسبع مئة ألف فلم يقم حتى فرقها على الفقراء وجاءه رحم له فشكى فأعطاه ثلاث مئة وكان يرسل لعائشة كل سنة عشرة آلاف وتصدق في يوم بمئة ألف ولم يجد ثوباً يصلي فيه ذلك اليوم.
- (ه عن جابر) بن عبد اللًه (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي هريرة وأبي سعيد) معاً [ص 271] ورواه الديلمي عن جابر.
5275 - (طلحة ممن قضى نحبه) أي نذره فيما عاهد اللّه عليه من الصدق في مواطن القتال ونصرة الرسول صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى الموت وإن بذلوا نفوسهم دونه فأخبر بأنه ممن وفى بنذره وأصل النحب النذر وكما يقال النحب للنذر يقال للموت أيضاً ويمكن إرادته هنا فيقال في توجيهه إنه بذل نفسه في سبيل اللّه وخاطر بها حتى لم يبق بينه وبين الهلك شيء فهو كمن قتل وذاق الموت في سبيل اللّه وإن كان حياً يمشي على وجه الأرض يقال قضى نحبه إذا مات بمعنى قضى أجله واستوفى مدته والنحب المدة ذكره القاضي.
- (ت ه عن معاوية) بن أبي سفيان (ابن عساكر) في تاريخه (عن عائشة) رمز المصنف لصحته.
5276 - (طلحة والزبير جاراي في الجنة) هو بضم الزاي أحد العشرة والشجعان المشتهرة كعلي وحمزة لم يلحقه في الشجاعة أحد وكان يوم بدر بعمامة صفراء فنزلت الملائكة بعمائم صفر وفتح اليرموك فكانت له فيه اليد البيضاء اخترق صفوف الروم من أولهم لآخرهم مرتين وكان له ألف عبد يؤدون الخراج فيتصدق به ولا يقوم منه بدرهم خرج على عليّ يوم الجمل فذكره علي بقول النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد قال: إني أحبه أما واللّه لتقاتلنه وأنت ظالم له فتذكر فانصرف فقتل بوادي السباع بالبصرة وجاء قاتله بشر علياً فبشره بالنار وكان له أربع نسوة فأصاب كل واحدة منهن ألف ألف ومائتي ألف.
- (ت ك) في المناقب (عن علي) قال الحاكم: صحيح فرده الذهبي فقال: لا اهـ. وذلك أن فيه عقبة بن علقمة تابعي قال أبو حاتم: ضعيف.
5277 - (طلوع الفجر أمان لأمتي من طلوع الشمس من مغربها) فما دام يطلع فالشمس لا تطلع إلا من مشرقها فإذا لم يطلع طلعت ذلك اليوم من المغرب فإن الفجر هو مبادئ شعاعها عند قربها من الأفق.
- (فر عن ابن عباس) وهو ضعيف.
5278 - (طهروا هذه الأجساد طهركم اللّه فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا وبات معه ملك في شعاره) بكسر الشين المعجمة ثوبه الذي بلى جسده (لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال) أي الملك (اللهم اغفر لعبدك) هذا (فإنه بات طاهراً) والطهارة عند النوم قسمان طهارة الظاهر وهي معروفة وطهارة الباطن وهي بالتوبة وهي آكد من الظاهرة فربما مات في نومه وهو متلوث بأوساخ الذنوب فيتعين عليه التوبة وأن يزيل من قلبه كل شيء وحقد ومكروه لكل مسلم.
- (طب) وأبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: أرجو أنه حسن الإسناد.
5279 - (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها) جمع فناء وهو المتسع أمام الدار ونبه بالأمر بطهارة الأفنية الظاهرة على طهارة الأفنية الباطنة وهي القلوب والأرواح.
تنبيه: قال القونوي: الطهارة والنجاسة من حيث مظاهرهما التي هي المحال الموصوفة بهما ومن حيث مراتبهما وأحكام مراتبهما أنواع أما الطهارة فتحصل من أنواع الجمع الوجداني والإطلاق عن كل تقييد يقضي بالحصر وبالعلم المحقق والتوحيد الشهودي والخلو باطناً عما سوى الحق وعما سوى ما يحبه سبحانه ويرضاه وأول درجاتها المشروعة المختصة بالقلوب والأرواح الإيمان والتوحيد الاستحضاري ولوازمهما وأعلى مراتب [ص 272] الطهارة التي يتحلى بها الإنسان دوام التحقق بمعرفة الحق وشهوده بالتجلي الذاتي الذي لا حجاب معه ولا مستقر للكل دونه وباقي أنواعها ودرجاتها تتعين بين هذين الطرفين وأما أنواع النجاسة التي يتطلب التطهير منها والتحرز بعد التطهير من التلويث بها وانصباغ المحل بأحكامها فإنها تطهر من الجهل والشرك وأحكام القيود القاضية بالحصر في عقيدة مخصوصة ناشئة من التأويلات والآراء الفاسدة والعوائد الرديئة والشهوات القاهرة وكل واحدة من الطهارة والنجاسة تنقسم من حيث المحال الموصوفة بها ثلاثة أقسام قسم ظاهر وقسم باطن مشترك فرتبة الطهارة الباطنة تختص بعالم الأرواح والنفوس الزكية والصفات المضافة إليها من حيث ذواتها وما يصحبها من لطائف الصور التي كانت تدبرها.
- (طب عن سعد) بن أبي وقاص وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني.
5280 - (طهور إناء أحدكم) بضم الطاء على المشهور ذكره النووي وتعقبه ابن العراقي بأنه فهم أن المراد هنا الفعل ولا كذلك وإنما المراد به المطهر فهو بفتح الطاء على الأشهر قال في شرح الإلمام: هنا الطهور بالفتح المطهر وبالضم الفعل (إذا ولغ فيه الكلب) ولو كلب صيد وفي رواية للبخاري كالموطأ بدله شرب والمشهور المعروف لغة ولغ يقال ولغ يلغ إذا شرب بطرف لسانه وقيل أن يدخل لسانه في الماء فيحركه زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب وزعم ابن عبد البر أن شرب لم يروه إلا مالك وليس كما قال واللفظان متقاربان لكن الشرب أخص فلا يقوم مقامه ومفهوم الشرط في إذا ولغ يقتضي قصر الحكم عليه لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل للتنجيس فيتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق ويكون الولوغ غالباً ويلحق به بقية أعضائه لأن فمه أشرفها غالباً فالباء في بالأولى وأفهم ذكر الإناء إخراج الماء المستنقع وبه قال الأذرعي: لكن إذا قلنا الغسل للتنجيس يجري الحكم في قليل الماء دون كثيره (أن يغسله) بماء طهور (سبع مرات أولاهن بالتراب) كذا للأكثر وفي رواية إحداهن وطريق الجمع أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهن معينة فإن كانت في نفس الخبر فللتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد حمله على إحداهن لأن فيه زيادة على الرواية المعينة ونص عليه في الأم والبويطي وصرح به المرعشي وغيره وغفل عنه من بحثه كالسبكي وإن كانت شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى ممن أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين أولاهن والتابعة وأولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحوطية ومن حيث المعنى لأن تتريب الأخيرة يحتاج إلى غسلة أخرى للتنظيف وقد نص الشافعي في حرمله على أن الأولى أولى واللّه أعلم وقد أخذ بهذا الحديث الشافعية وخالفهم الحنفية فلم يوجبوا التسبيع ولا التعفير لكون راويه أفتى بتثليث غسله قلنا مذهب الراوي غير حجة فإن قيل الأخذ بالسبع ترجيح لأنه ورد ثلاث وخمس قلنا الورود ممنوع وبفرضه لم يصح بشروطه أو منسوخ لتأخر التشديدات أو الغسلات أو مذهب الراوي والمالكية أوجبوا التسبيع تعبداً بغير التتريب لطهارة الكلب عندهم والكلام على هذا الحديث أفرد بالتأليف لانتشاره جداً احتج به الشافعي على نجاسة الكلب لأن الطهارة إنما تكون عن حدث أو خبث ولا حدث على الإناء فتعين كونها للنجس وزعم أن الطهارة تكون من غيرهما كالتيمم منع بأن موجبه الحدث وإن لم يرفع فلا يقال إنه طهارة لا عن حدث.
- (م د عن أبي هريرة) لكنه خالفه فأمر بالغسل منه ثلاثاً فقط وذلك غير قادح في وجوب العمل به عند الأكثر وقيل إن مخالفة الراوي بمنع وجوب العمل لأنه إنما خالفه لدليل قلنا في ظنه وليس لغيره اتباعه لأن المجتهد لا يقلد مجتهداً.
5281 - (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل) بالبناء للمفعول (سبعاً الأولى بالتراب) قال الطيبي: طهور إناء أحدكم مبتدأ وإذا ظرف معمول للمصدر والخبر أن يغسل (والهر مثل ذلك) قال البيهقي كالدارقطني: [ص 273] هذا في الكلب مرفوع وفي الهر موقوف ومن رفعه فقد غلط وقال بعض الحفاظ: إن الهر مدرج وبفرض الرفع والصحة هو بالنسبة للهر متروك الظاهر عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأخذ بقضيته طاوس فكان يجعل الهر مثل الكلب يغسل سبعاً وعن أبي جريج قلنا لعطاء والهر قال: هي بمنزلة الكلب أو أشر منه وعن مجاهد في الإناء يلغ فيه السنور قال: اغسله سبع مرات.
تنبيه: ذهب أحمد إلى أنه يجب غسل جميع الأنجاس سبعاً تمسكاً بالأمر بالتسبيع في نحو هذه الأحاديث ولا يخفى ما فيه.
- (ك) في الطهارة (عن أبي هريرة) وقال: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي.
5282 - (طهور كل أديم) أي مطهر كل جلد ميتة وفي رواية طهور الأديم (دباغه) ففيه دليل على أن الطهور بمعنى المطهر وآية على فساد قول من قال لا يطهر جلد الميتة بالدبغ وخبر أم حكيم إن النبي صلى اللّه عليه وسلم كتب إلى جهينة لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب فيه إرسال وبعد التنزيل لا يحمل على ما قبل الدبغ جمعاً بين الأدلة وفيه إرشاد إلى استصلاح ما فيه نفع وصونه عن الضياع.
- (أبو بكر في) كتاب (الغيلانيات عن عائشة) قالت: ماتت شاة لميمونة فقال لها رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ألا استمتعتم بإهابها فقالت: كيف نستمتع به وهي ميتة فذكره واقتصار المصنف على عزوه إليه يؤذن بأنه لا يعرف لأحد من المشاهير مع أن البيهقي خرجه عن عائشة باللفظ المذكور ثم قال وتبعه الذهبي: رواته ثقات اهـ. ورواه الدارقطني من عدة طرق ثم قال وتبعه الغرياني في مختصره: إسناده حسن كلهم ثقات اهـ. وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: طريقه صحيح.
5283 - (طهور الطعام يزيد في الطعام والدين) بكسر الدال (والرزق) قال الشارح: لعل المراد الوضوء قبل الطعام وهو اللغوي اهـ. وأقول المراد أن الطعام إذا كان حلالاً أورث البركة وأوجب مزيد الرزق المعنوي ووفور الحظ منه وأما الانصباغ بالطعام الحرام فيحدث في باطن المتغذى به في نفسه وأخلاقه وصفاته تلويثات هي من قسم النجاسات فهو وإن كان طاهراً صورة هو نجس معنى من حيث كونه حراماً وكذا يقال في الشراب وقد جاء في خبر دم على الطهارة يوسع عليك رزقك ومن أمعن النظر في شرح ذلك اطلع على جملة من أسرار الشريعة كالحلّ والحرمة والطهارة والنجاسة الظاهرتين والباطنتين وأسبابهما ومزيلاتهما وعرف كيفية التحرز بعد التحلي بالطهارة من التلوّث بما يشينها وعرف الطريق إلى استحلال الرزق المعنوي والحسي وسبب زيادتهما ونقصهما لا من جهة الكسب المعهود بل بما شرعه اللّه ونبه عليه رسوله وعرف التحليل والتحريم من الحق بواسطة رسوله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وأنه لمحض إشفاقه على عباده وأنه طب إلهي لقلوبهم وأرواحهم ونفوسهم وأخلاقهم وصفاتهم بل لصورهم أيضاً بطريق التبعية وعرف سرّ قوله عليه الصلاة والسلام من أخلص للّه أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
- (أبو الشيخ [ابن حبان]) ابن حبان (عن عبد اللّه بن جراد) ورواه الديلمي أيضاً.
5284 - (طواف سبع) بالكعبة (لا لغو فيه) أي لا ينطق فيه الطائف بباطل ولا لغط وقيد بعدم اللغو لأن الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن اللّه أحلّ فيه المنطق فمن نطق إلا بخير كما في الحديث الآخر (يعل عتق رقبة) أي ثوابه مثل ثواب العتق.
- (عب عن عائشة) ورواه عنها أيضاً الديلمي لكن بيض ولده لسنده.
[ص 274] 5285 - (طوافك) بالكسر خطاباً لعائشة (بالبيت) الكعبة (و) سعيك (بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك) فيه أن القارن لا يلزمه إلا ما يلزم المفرد وأنه يجزئه طواف واحد وسعي واحد لحجته وعمرته وبه قال مالك والشافعي وأحمد في رواية وقال أبو حنيفة عليه طوافان وسعيان.
- (د عن عائشة) ورواه عنها أيضاً أبو نعيم والديلمي.
5286 - (طوبى) تأنيث أطيب أي راحة وطيب عيش حاصل (للشام) قيل: وما ذلك يا رسول اللّه قال: (لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها) أي لأن ملائكة البليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء تحفها وتحوطها بإنزال البركات ودفع المهالك والمؤذيات.
- (حم ت ك عن زيد بن ثابت) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
5287 - (طوبى للشام) قال في الكشاف: طوبى مصدر من طاب كزلفى وبشرى ومعنى ذلك أصيب طيباً وخيراً اهـ. (إن الرحمن لباسط رحمته عليه) لفظ رواية الطبراني يده بدل رجمته.
- (طب عنه) أي عن زيد بن ثابت قال الهيثمي: ورجاله أيضاً رجال الصحيح.
5288 - (طوبى للغرباء) قال الطيبي: فعلى من الطيب قلبوا الياء واواً للضمة قبلها قيل معناه أصيبوا خيراً على الكتابة لأن إصابة الخير تستلزم طيب العيش فأطلق اللازم وأريد الملزوم قالوا: يا رسول اللّه من هم قال: (أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) وفي رواية بدله من يبغضهم أكثر ممن يحبهم ومن ثم قال الثوري: إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء فاعلم أنه مخلط لأنه لو نطق بالحق لأبغضوه قال الغزالي: وقد صار ما ارتضاه السلف من العلوم غريباً بل اندرس وما أكب الناس عليه فأكثره مبتدع وقد صار علوم أولئك غريبة بحيث يمقت ذاكرها .
فائدة: حكى في علم الاهتداء أنه مات فقير فلما جرّد للغسل وجد على عنقه بين الجلد واللحم مكتوباً طوبى لك يا غريب.
- (حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه ضعف اهـ ورواه الطبراني بأسانيد قال الهيثمي: رجال أحدها رجال الصحيح.
5289 - (طوبى للمخلصين) الذين خلصوا أعمالهم من شوائب الأكدار ومحضوا عبادتهم للملك القهار قال راوي الحديث أبو نعيم عقبه: وهم الواصلون للحبل والباذلون للفضل والحاكمون بالعدل (أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء) لأنهم لما أخلصوا في المراقبة ونسيان الحظوظ كلها وقطعوا النظر والقصد عما سوى معبودهم لم يكن لغيره عليهم سلطان بل هم منه في حماية وأمان قال الغزالي: عقبة الإخلاص عقبة كؤود لكن بها ينال المطلوب والمقصود نفعها كثير وقطعها شديد وخطرها عظيم كم من عدل عنها فضل ومن سلكها فزلّ ومن تائه فيها متحير وبناء أمر الآخرة كله عليها والأمر كله بيد اللّه قال: والإخلاص إخلاصان إخلاص عمل وإخلاص طلب أجر فالأول إرادة التقرب إلى اللّه وتعظيم أمره وإجابة دعوته والباعث عليه الاعتقاد الصحيح وضده إخلاص النفاق وهو التقرب إلى من دون اللّه وقال إمام الحرمين: النفاق هو الاعتقاد الفاسد الذي هو للمنافق في اللّه وليس هو من قبيل الإرادات والإخلاص في طلب الأجر إرادة نفع الآخرة بعمل الخير.
- (حل) من حديث عبد الحميد بن ثابت بن ثوبان حدثني (عن) جدي (ثوبان) مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: شهدت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مجلساً فقال: [ص 275] طوبى فذكره وهكذا رواه عنه الديلمي أيضاً وفيه عند مخرجه عمرون بن عبد الجبار السخاوي أورده في الضعفاء قال ابن عدي: روى عن عمه مناكير وعبيدة بن حسان أورده الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين.
2290 - (طوبى للسابقين إلى ظل اللّه) أي إلى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله قيل: ومن هم قال: (الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه) أي أعطوا من غير مطل ولا تسويف (والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم) هذه صفة أهل القناعة وهي الحياة الطيبة التي ذكرها اللّه بقوله {فلنحيينه حياة طيبة} ثم ذكر جزاءه بقوله {ولنجزينهم أجرهم} الآية. فباللّه استغنوا حتى قنعوا بما أعطوا وللّه انقادوا وألقوا بأيديهم حتى بذلوا الحق إذا سئلوا وإلى اللّه أقبلوا حتى صيرهم أمناءه وحكامه في أرضه يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم فإن النفس ميالة وصاحبها لا يألوها نصحاً فمن كمال عدله أن يحكم للناس بمثله.
- (الحكيم) الترمذي (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه.
5291 - (طوبى للعلماء) أي الجنة لهم (طوبى للعبَّاد) بتشديد الباء (ويل لأهل الأسواق) أي حزن وهلاك ومشقة لهم لاستيلاء الغفلة والتخليط عليهم فهم كهمج وذباب يتطايرون من مزبلة لمزبلة على ألوان القاذورات فيقعن عليها ثم شغلوا بالغش والخيانة والأيمان الباطلة والمكاسب الرديئة قد لزمهم العدو فسباهم فصيرهم على شرف حريق ونزل عذاب {وما يذكر إلا أولوا الألباب}.
- (فر عن أنس) بن مالك.
5292 - (طوبى لعيش بعد المسيح) أي بعد نزول المسيح إلى الأرض في آخر الزمان وهو لقب عيسى عليه السلام أصله مسيحاً بالعبرانية وهو المبارك وما قيل إنه فعيل بمعنى مفعول لقب به لأنه مسح بالبركة والطهارة من الذنوب أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن أو لأن جبريل مسحه بجناحه أو بمعنى فاعل لأنه كان يمسح الأرض بالسير أو كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ فلا يثبت كذا ذكره القاضي، وذكر صاحب القاموس أنه جمع في سبب تسميته بذلك خمسين قولاً أوردها في شرح المشارق (يؤذن السماء في القطر) فتمطر (ويذدن للأرض في النبات) فتنبت نباتاً حسناً (حتى لو بذرت حبك على الصفا) أي الحجر الأملس (لنبت) طاعة لإذن خالقها (وحتى يمر الرجل على الأسد) أي الحيوان المفترس المشهور (فلا يضره ويطأ على الحية فلا تضره ولا تشاح) بين الناس (ولا تحاسد ولا تباغض) مقصود الحديث أن النقص في الأموال والثمرات ووقوع التحاسد والتباغض إنما هو من شؤم الذنوب فإذا طهرت الأرض أخرجت بركتها وعادت كما كانت حتى أن العصابة ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها ويكون العنقود من العنب وقر بعير فالأرض إذا طهرت ظهر فيها آثار البركة التي محقتها الذنوب ذكره ابن القيم وبالعدل يحصل الأمان ويزول التعدي والعدوان.
- (أبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين عن أبي هريرة) ظاهر عدول المصنف للنقاش أنه لم يره مخرّجاً لأحد من المشاهير وهو غفلة فقد خرجه أبو نعيم والديلمي وغيرهما.
5293 - (طوبى لمن أدركني وآمن بي وطوبى لمن لم يدركني ثم آمن بي) زاد ابن وهب عن أبي سعيد فقال رجل: يا رسول اللّه [ص 276] وما طوبى قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها.
- (ابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه الطبراني من حديث ابن عمر فاقتصار المصنف على ابن النجار غير سديد.
5294 - (طوبى لمن أكثر الجهاد في سبيل اللّه) بقصد إعلاء كلمة اللّه (طوبى لمن ذكر اللّه فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند اللّه من المزيد والنفقة على قدر ذلك) تمامه عند الطبراني قال عبد الرحمن لمعاذ: إنما النفقة بسبع مئة ضعف فقال معاذ: قل فهمك إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهليهم غير غزاة فإذا غزوا وأنفقوا خبأ اللّه لهم من خزانة رحمته ما ينقطع عنده علم العبد فأولئك حزب اللّه وحزب اللّه هم الغالبون.
- (طب) وكذا الديلمي (عن معاذ) بن جبل قال الذهبي: فيه رجل لم يسم.
5295 - (طوبى لمن أسكنه اللّه تعالى إحدى العروسين) والعروسين تثنية عروس وهو وصف يشترك فيه الذكر والأنثى (عسقلان أو غزة) هذا تنويه عظيم بفضل البلدين وترغيب في السكنى بهما.
- (فر عن ابن الزبير) وفيه إسماعيل بن عياش وفيه خلاف عن سعيد بن يوسف أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه ابن معين والنسائي عن مصعب بن ثابت وقد ضعفوا حديثه.
5296 - (طوبى لمن أسلم) وفي رواية للقضاعي طوبى لمن هدي للإسلام (وكان عيشه كفافاً) أي بقدر كفايته لا يشغله ولا يطغيه قال في الحكم: من تمام النعمة عليك أن يرزقك اللّه ما يكفيك ويمنعك ما يطغيك قال الشاعر:
والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا تردّ إلى قليل تقنع
واستدل به من فضل الفقر على الغنى فقال: قد غبط النبي صلى اللّه عليه وسلم من كان عيشه كفافاً وأخبر بفلاحه وكفى به شرفاً.
- (الرازي) في مشيخته (عن أنس بن مالك ورواه القضاعي والشهاب وقال شارحوه: غريب.
5297 - (طوبى لمن بات حاجاً وأصبح غازياً رجل مستور ذو عيال متعفف قانع باليسير من الدنيا يدخل عليهم ضاحكاً ويخرج منهم ضاحكاً فوالذي نفسي بيده) أي بقدرته وتصريفه (إنهم هم الحاجون الغازون في سبيل اللّه عز وجل) أي هم الحاجون الغازون حقاً لا غيرهم إذ لا فائدة في ذلك إلا بيان كونهم أفضل يعني أن غيرهم ربما كان غازياً حاجاً متلبساً بأضداد ما ذكر فلا فضل له مثل هذا يشير به إلى فضل القناعة مع الرضى قال ذو النون: سلب الغنى من سلب الرضا ومن لم يقنعه اليسير افتقر في طلب الكثير وقال عطاء: الزم القناعة تشرف في الدنيا والآخرة فليس الشرف في الإكثار وقال حكيم: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالعز والمروءة وقال في الحكم: ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع.
- (فر عن أبي هريرة) وفيه إسحاق بن إبراهيم الديري عن عبد الرزاق أورده الذهبي في الضعفاء وقال: استصغر في عبد الرزاق.
[ص 277] 5298 - (طوبى لمن ترك الجهل وآتى الفضل) أي الأمر الفاضل وهو تعلم العلم بقرينة مقابلته بالجهل أو بذل الفاضل من ماله للمواساة ويؤيده قوله في الحديث وأنفق الفضل من ماله (وعمل بالعدل) الذي قامت به السماوات والأرض ومدار قيام نظام العالم عليه قال الغزالي: ويعني بالعدل حالة للنفس وقوة بها لتسوس الغضب والشهوة وتحملهما على مقتضى الحكمة وتضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها قال الراغب: والعدالة تارة تقال في الفضائل كلها من حيث إنه لا يخرج شيء من الفضائل عنها وتارة يقال هي أكمل الفضائل من حيث إن صاحبها يقدر أن يستعملها في نفسه وفي غيره وهي ميزان اللّه المبرأ من كل زلة ويثبت بها أمر العالم.
- (حل عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام (مرسلاً).
5299 - (طوبى لمن تواضع في غير منقصة) بأن لا يضع نفسه بمكان يزرى به ويؤدي إلى تضييع حق الحق أو الخلق فإن القصد بالتواضع خفض الجناح للمؤمنين مع بقاء عزة الدين فالتواضع الذي يعود على الدين بالنقص ليس بمطلوب قال الخواص: إياك والإكثار من ذكر نقائصك لأن به يقل شكرك فما ربحت من جهة نظرك إلى عيوبك خسرته من جهة تعاميك عن محاسنك التي أودعها الحق فيك وقال: شهود المحاسن هو الأصل وأما نقائصك فإنما طلب النظر إليها بقدر الحاجة لئلا يقع في العجب وقال: إذا أغضبك أحد لغير شيء فلا تبدأه بالصلح لأنك تذل نفسك في غير محل وتكبر نفسه بغير حق ومن ثم قيل: الإفراط في التواضع يورث الذلة والإفراط في المؤانسة يورث المهانة قال ابن عربي: الخضوع واجب في كل حال إلى اللّه تعالى باطناً وظاهراً فإذا اتفق أن يقام العبد في موطن الأولى فيه ظهور عزة الإيمان وجبروته وعظمته لعز المؤمن وعظمته وجبروته ويظهر في المؤمن من الأنفة والجبروت ما يناقض الخضوع والذلة فالأولى إظهار ما يقتضيه ذلك الموطن قال تعالى {ولو كنت فظاً غليظ القلب} الآية وقال {واغلظ عليهم} فهذا من باب إظهار عزة الإيمان بعزة المؤمن وفي الحديث أن التبختر مشية يبغضها اللّه إلا بين الصفين فإذا علمت أن للمواطن أحكاماً فافعل بمقتضاها تكن حكيماً قال ابن القيم: والفرق بين التواضع والمهانة أن التواضع يتوالد من بين العلم باللّه وصفاته ونعوت جلاله ومحبته وإجلاله وبين معرفته بنفسه ونقائصها وعيوب عمله وآفاتها فتولد من ذلك خلق هو التواضع وانكسار القلب للّه وخفض جناح الذل والرحمة للخلق والمهانة الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها كتواضع الفاعل للمفعول به وقال الراغب: الفرق بين التواضع والضعة أن التواضع رضا الإنسان بمنزلة دون ما تستحقه منزلته والضعة وضع الإنسان نفسه بمحل يزرى به والفرق بين التواضع والخشوع أن التواضع يعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة والخشوع يقال باعتبار أفعال الجوارح ولذلك قيل: إذا تواضع القلب خشعت الجوارح قال بعض الحكماء: وجدنا التواضع مع الجهل والبخل أحمد من الكبر مع الأدب فأنبل بحسنة غطت على سيئتين وأقبح بسيئة غطت على حسنتين والكبر ظن الإنسان بنفسه أنه أكبر من غيره والتكبر إظهار ذلك وهذه صفة لا يستحقها إلا اللّه وحده فمن ادعاها من المخلوقين فهو كاذب وفي أثر: الكبر على المتكبر صدقة لأن المتكبر إذا تواضعت له تمادى في تيهه وإذا تكبر عليه يمكن أن ينبه ومن ثم قال الشافعي: ما تكبر عليّ متكبر مرتين وقال الزهري: التجبر على أبناء الدنيا أوثق عرى الإسلام (وأذل نفسه في غير مسكنة) قال الغزالي: تشبث به طائفة الفقهاء فقلما ينفك أحدهم عن التكبر على الأمثال والترفع إلى فوق قدره حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس في الارتفاع والانخفاض والقرب من وسادة الصدر والبعد منها والتقدم في الدخول عند مضايق الطرق ويتعللون بأنه ينبغي صيانة العالم عن الابتذال وأن المؤمن منهي عن إذلال نفسه فيعبر عن التواضع الذي أثنى اللّه عليه بالذل وعن التكبر الممقوت عند اللّه بعز الدين تحريفاً [ص 278] للاسم وإضلالاً للخلق.
فائدة : روى العسكري أن رجلاً مر على عمر وقد تخشع وتذلل وبالغ في الخضوع فقال عمر: ألست مسلماً قال: بلى قال: فارفع رأسك وامدد عنقك فإن الإسلام عزيز منيع (وأنفق من مال جمعه في غير معصية) أي صرف منه في وجوه الطاعات وفيه إشعار بأن الصدقة لا تكون إلا من مال حلال وعبر بمن التبعيضية إشارة إلى ترك التصدق بكل المال (وخالط أهل الفقه والحكمة) الذين بمخالطتهم تحيى القلوب (ورحم أهل الذل والمسكنة) أي عطف عليهم ورق لهم وواساهم بمقدوره (طوبى لمن ذلّ نفسه) أي رأى ذلها وعجزها فلم يتكبر وتذلل لحقوق الحق وتواضع للخلق ـ روي أن الصدّيق لما ولي الخلافة قالت جويرية من الحي: إذن لا يحلب لنا منائحنا فسمعها فقال: يا بنية إني لأرجو أن لا يمنعني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه فكان يحلب للقوم شياههم، وروي أن الفاروق حمل حال خلافته قربة إلى بيت امرأة أرملة أنصارية ومرّ بها في المجامع (وطاب كسبه) بأن كان من وجه حل (وحسنت سريرته) بصفاء التوحيد والثقة بوعد اللّه والخوف منه والرجاء والشفقة على خلقه والمحبة لأوليائه (وكرمت علانيته) أي ظهرت أنوار سريرته على جوارحه فكرمت أفعالها بتقوى اللّه وبمكارم أخلاق الدين بالصدق والبر ومراعاة الحقوق (وعزل عن الناس شره) فلم يؤذهم ومن ثم قال مالك بن دينار لراهب: عظني فقال: إن استطعت أن تجعل بينك وبين الناس سوراً من حديد فافعل، وقيل لبقراط: لم لا تعاشر الناس فقال: وجدت الخلوة أجمع لدواعي السلوة (طوبى لمن عمل بعلمه) لينجو غداً من كون علمه حجة عليه وشاهداً بتفريطه (وأنفق الفضل من ماله) أي صرف الزائد عن حاجته وحاجة عياله في وجوه القرب لئلا يطغى ويسكن قلبه إليه ويحظى بثوابه في العقبى (وأمسك الفضل من قوله) أي وأمسك لسانه عن النطق بما يزيد على الحاجة بأن ترك الكلام فيما لا يعنيه قال بعض العارفين: من شغل بنفسه شغل عن الناس وهذا مقام العاملين ومن شغل بربه شغل عن نفسه وهذا مقام العارفين وفي بعض النسخ من قوته بدل قوله فليحرر.