4778 - (سيكون بعدي قوم من أمتي يقرؤون القرآن ويتفقهون في الدين يأتيهم الشيطان فيقول لو أتيتم السلطان فأصلح من دنياكم واعتزلتموهم بدينكم ولا يكون ذلك) أي ولا يصح ولا يستقيم الجمع بين الأمرين لما مر أن مثل هذا النفي مستلزم لنفي الشيء مرتين تعميماً وتخصيصاً ثم ضرب به مثلاً بقوله (كما لا يجتني من القتاد) شجر له شوك (إلا الشوك كذلك لا يجتني من قربهم إلا الخطايا) قال الطيبي: شبه التقرب إليهم بإصابة جدواهم ثم الخيبة والخسارة في الدارين يطلب الجني من القتاد فإنه من المحال لأنه لا يثمر إلا الجراحة والألم وكذا من ركن إليهم {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} والاستثناء من باب قوله:
وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس
وأطلق المستثنى من جنس المضرة أي لا يجدي إلا مضار الدارين ويدخل فيه الخطايا أيضاً انتهى. وقال الزمخشري: النهي متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم وذكرهم بما فيه تعظيمهم، ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ في الدين عافانا اللّه وإياك من الفتن أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك أصبحت شيخاً كبيراً أثقلتك نعم اللّه بما فهمك اللّه من كتابه وعلمك سنة نبيه وليس كذلك أخذ اللّه الميثاق على العلماء فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك انتهى. والناس في القرآن أقسام قوم شغلوا بالتردد على الظلمة وأعوانهم عن تدبره وقوم شغلوا بما حبب إليهم من دنياهم وقوم منعهم من فهمه سابق معرفة آراء عقلية انتحلوها ومذاهب حكمية تمذهبوا بها فإذا سمعوه تأولوه بما عندهم فيحاولون أن يتبعهم القرآن لا أن يتبعونه وإنما يفهمه من تفرغ من كل ما سواه فإن للقرآن علواً من الخطاب يعلو على قوانين علو كلام اللّه على كلام خلقه.
- (ابن عساكر عن ابن عباس) ورواه عنه [ص 132] أيضاً أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف عليه غير سديد.
4779 - (سيكون في آخر الزمان ديدان القراء) بكسر الدال دود القراء وجمع الدود ديدان (فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ باللّه منهم) هم القوم الذين تنسكوا في ظاهر الحال تصنعاً، رموا بأبصارهم إلى الأرض ومدوا بأعناقهم تيهاً وتكبراً وإعجاباً لجهلهم باللّه وغرتهم به يعدون الخطا ويقضون المنا ناظرين إلى أهل الذنوب بعين الإزراء حقارة لهم وعجباً بأنفسهم أعطوا القوة على لبس الخشن والصبر على ملاذ الدنيا استدراجاً فسخت نفوسهم بترك الشهوات في جنب لذة ثناء الخلق عليهم وتعظيمهم فأقبلوا على ذم الدنيا وجفاء من تناولها والطعن على من وسم بالغنى حتى إذا هم جهلهم إلى الطعن على أغنياء الصحب وأكابر السلف فخرجوا من الدين مروقاً من حيث لا يشعرون ظنوا أنه لم يبق وراء تركهم لذات الدنيا شيء وما علموا أنهم تركوا شيئاً قليلاً من شيء لا يزن جميعه عند اللّه جناح بعوضة فإذا كان الكل لا يزن جناحها فما تركه هؤلاء المساكين كم هو؟ وقوم تغولوا وتاهوا بعلمهم وتجبروا وتصنعوا بحسن الملابس وطول الطنافس وطول الأكمام كبر العمامة وتوفير اللحية وتعظيم الهامة ليتمكنوا من صدور المجالس ويستتروا من الأبالس فضلوا وأضلوا وخبطوا عشواء حيثما قاموا وحلوا قد كاد الواحد منهم ينوح بدعوى الاجتهاد وما تأهل لتعليم الأولاد فلشفقة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم على أمته نبّه على أنهم سيكونون، وأمر بالتعوذ منهم كيلا يغتر بهم الغبي المفتون {وما ربك بغافل عما يعملون}، {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}.
- (حل عن أبي أمامة).
4780 - (سيكون في آخر الزمان أناس من أمتي) يزعمون أنهم علماء (يحدثونكم بما لم تسمعوا به أنتم ولا آباؤكم) من الأحاديث الكاذبة والأحكام المبتدعة والعقائد الزائفة (فإياكم وإياهم) أي احذروهم وبعدوا أنفسكم عنهم وبعدوهم عن أنفسكم قال الطيبي: ويجوز حمله على المشهورين المحدثين فيكون المراد بها الموضوعات وأن يراد به ما هو بين الناس أي يحدثوهم بما لم يسمعوا عن السلف من علم الكلام ونحوه فإنهم لم يتكلموا فيه وعلى الأول ففيه إشارة إلى أن الحديث ينبغي أن لا يتلقى إلا عن ثقة عرف بالحفظ والضبط وشهر بالصدق والأمانة عن مثله حتى ينتهي الخبر إلى الصحابي وهذا علم من أعلام نبوّته ومعجزة من معجزاته فقد يقع في كل عصر من الكذابين كثير ووقع ذلك لكثير من جهلة المتدينة المتصوفة.
- (م) في مقدمته (عن أبي هريرة) يرفعه قال الحاكم: ولا أعلم له علة.
4781 - (سيكون أمراء تعرفون) يعني ترضون بعض أقوالهم وأفعالهم لكونه في الجملة مشروعاً (وتنكرون) بعضها لقبحه شرعاً (فمن نابذهم) يعني أنكر بلسانه ما لا يوافق الشرع (نجا) من النفاق والمداهنة (ومن اعتزلهم) منكراً بقلبه (سلم) من العقوبة على ترك المنكر (ومن خالطهم) راضياً بفسقهم (هلك) يعني وقع فيما يوجب الهلاك الأخروي من ارتكاب الآثام لانحطاطه في هواهم واحتياجه لمداهنتهم والرضى بأعمالهم والتشبه بأحوالهم والتزيي بزيهم ومدّ العين إلى زهرتهم بما فيه تعظيمهم {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}.
- (ش طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه هشام بن بسطام وهو ضعيف. ظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة أحد وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب [ص 133] فقد خرجه مسلم من حديث أبي سلمة.
4782 - (سيكون بعدي أمراء يقتتلون على الملك يقتل بعضهم بعضاً) هذا من أعلام نبوته ومعجزاته الظاهرة البينة فإنه إخبار عن غيب وقع.
- (طب عن عمار) بن ياسر.
4783 - (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر) أي لا يصدقون بأنه تعالى خلق أفعال عباده كلها من خير وشر وكفر وإيمان.
- (حم ك عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أبو داود في السنة والترمذي في القدر وابن ماجه في الفتن بلفظ يكون في أمّتي خسف ومسخ وذلك في المكذبين بالقدر.
4784 - (سيكون بعدي قصاص) جمع قاص وهو الذي يقص على الناس كما سبق (لا ينظر اللّه إليهم) هذا من علامة النبوّة لأنه من الإخبار بالمغيبات وكان ذلك فقد نشأ قصاص يقومون على رؤوس الناس يكذبون ويروون أحاديث لا أصل لها ويشتغلون عن ذكر اللّه وعن الصلاة قال الغزالي: قد بلي الخلق بوعاظ يزخرفون أسجاعاً ويتكلفون ذكر ما ليس في سعته علمهم ويتشبهون بحال غيرهم فسقط من القلوب وقارهم ولم يكن كلامهم صادراً من القلب ليصل إلى القلب بل القائل متصلف والمستمع متكلف، وفي الفردوس من حديث ابن عباس مرفوعاً سيكون في آخر الزمان علماء يرغبون الناس في الآخرة ولا يرغبون ويزهدونهم ولا يزهدون وينبسطون عند الكبراء وينقبضون عند الفقراء ينهون عن غشيان الأمراء ولا ينتهون، أولئك الجبارون أعداء الرحمن عزَّ وجلَّ. انتهى.
- (أبو عمرو بن فضالة في أماليه عن عليّ).
4785 - (سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى اللّه عزَّ وجلَّ) قال في الفردوس: وفي رواية ابن مسعود يطفئون السنة ويعملون بالبدع وفي هذا الحديث وما قبله إيذان بأن الإمام لا ينعزل بالفسق ولا بالجور ولا يجوز الخروج عليه بذلك لكنه لا يطاع فيما أمر به من المعاصي.
- (طب ك) في المناقب (عن عبادة بن صامت) قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأنه تفرد به عبد اللّه بن واقد وهو ضعيف انتهى. وبه يعلم أن رمز المصنف لحسنه غير حسن وسبب الحديث كما في المستدرك أن عبادة دخل على عثمان فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم يقول: فساقه ثم قال: فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك، فما راجعه عثمان حرفاً.
4786 - (سيليكم أمراء يفسدون وما يصلح اللّه بهم أكثر فمن عمل منهم بطاعة اللّه فلهم الأجر وعليكم الشكر ومن عمل منهم بمعصية اللّه فعليهم الوزر) قال في الكشاف: الوزر والوقر أخوان من وزر الشيء إذا حمله على ظهره (وعليكم الصبر) أي لا طريق لكم في أيامهم إلا الصبر فالزموه فهو إشارة إلى وجوب طاعتهم وإن جاروا ولزوم الانقياد لهم والتحذير من الخروج عليهم وشق العصا وإظهار [ص 134] كلمة النفاق وذلك كله من السياسة التي يقوم بها مصالح الدارين قال الزمخشري: يريد بالوزر العقوبة الثقيلة الناهضة سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يقدح الحامل وينقض ظهره ويلقي عليه بهره أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم اهـ.
- (طب عن ابن مسعود) قال الحافظ العراقي: ضعيف أي وذلك لأن فيه حكيم بن حزام قال في الميزان: قال أبو حاتم: متروك وقال البخاري: منكر الحديث وساق له هذا الخبر وفيه أيضاً عبد الملك بن عمير قال الذهبي في الضعفاء: قال أحمد مضطرب الحديث.
4787 - (سيوقد المسلمون من قسى يأجوج ومأجوج) بوزن طالوت وجالوت (ونشابهم وأترستهم سبع سنين) في الكشاف: هما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف وهما من ولد يافث وقيل: يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل قال ابن العربي: وهما أمتان مضرتان مفسدتان كافرتان من نسل يافث بن نوح وخروجهما بعد عيسى والقول بأنهم خلقوا من مني آدم المختلط بالتراب وليسوا من حواء غريب جداً لا دليل عليه وإنما يحكيه بعض أهل الكتاب وفي التيجان أن أمة منهم آمنوا فتركهم ذو القرنين لما بنوا السد بأرمينية فسموا لذلك الترك والديلم.
- (ه عن النواس) بن سمعان.
*2* فصل في المحلى بأل من هذا الحرف. [أي حرف السين]ـ
4788 - (السائحون هم الصائمون) قيل للصائم سائح لأن الذي يسيح في الأرض متعبداً يسيح ولا زاد له فحين يجد يطعم والصائم يمضي نهاره ولا يطعم شيئاً فشبه به وأصله من السيح وهو الماء الجاري الذي ينبسط ويمضي إلى غير حد ولا منتهى ذكره في الفردوس.
- (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه ابن منده وأبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي وغيرهم.
4789 - (السائمة) أي الراعية العاملة وفي رواية السائبة (جبار) أي هدر لا زكاة فيها (والمعدن جبار) أي ما استخرج من نحو لؤلؤ وياقوت هدر لا شيء فيه (وفي الركاز الخمس) وهو ما دفنه جاهليّ في موات مطلقاً.
- (حم عن جابر) قال الهيثمي: فيه مجالد بن سعيد وقد اختلط.
4790 - (السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة) قاله تفسيراً لقوله تعالى {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات}.
- (ك) في التفسير عن الأعمش عن رجل (عن أبي الدرداء) سمعه منه جرير الضبي هكذا ورواه عنه الطبراني أيضاً قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
4791 - (الساعي على الأرملة) براء مهملة التي لا زوج لها (والمسكين) أي الكاسب لهما العامل لمؤونتهما (كالمجاهد في سبيل اللّه) لإعلاء كلمة اللّه (أو) كذا بالشك في كثير من الروايات وفي بعضها بالواو (القائم الليل) في العبادة ويجوز في الليل الحركات الثلاث كما في قولهم الحسن الوجه (الصائم النهار) لا يفتر ولا يضعف وأل في المجاهد والقائم معرفة ولذلك جاء في بعض الروايات وصف كل منهما بجملة فعلية بعده وهو كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني. ذكره الأشرف ومعنى الساعي الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين.
- (حم ق) في الأدب (ت) [ص 135] في البر (ن) في الزكاة (ه) في التجارة (عن أبي هريرة).
4792 - (السباع) بسين مهملة مكسورة ثم باء موحدة على الأشهر وقيل بشين معجمة ذكره المنذري كابن الأثير أي المفاخرة بالجماع هكذا فسره ابن لهيعة أحد رواته (حرام) لما فيه من هتك الأسرار وفضيحة المرأة وهو أن يتساب اثنان فيرمي كل صاحبه بما يسوؤه أو المراد جلود السباع حرام.
- (حم ع هق عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي بعد ما عزاه لأحمد وأبي يعلى: فيه دراج وثقه ابن معين وضعفه وغيره اهـ وقال غيره: فيه أحمد بن عيسى المصري أورده الذهبي في الضعفاء وقال: كان ابن معين يكذبه وهو ثقة اهـ وبالخلاف تنحط درجة السند عن الصحة فرمز المصنف لصحته فيه ما فيه.
4793 - (السباق أربعة: أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبشة) تمسك بهذا من فضل العجم على العرب فقالوا: فضيلة المسلم سبقه إلى الإسلام وقد ثبت منها للعجم ما لم يثبت للعرب فإن قلتم فقد سبق للإسلام أبو بكر وعمار وأمّه وبلال وصهيب والمقداد قلنا فالسباق إذن بعد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ستة: ثلاثة عرب والثلاثة عجم والنبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم عربي فلم يساو عدد أتباعه من رهطه عدد أتباعه من غيرهم وأجيب بما فيه طول.
- (البزار) في مسنده عن أنس. قال الهيثمي: ورجاله ثقات (طب ك عن أنس) قال الحاكم: تفرد به عمارة بن زادان عن ثابت. قال الذهبي: وعمارة واه ضعفه الدارقطني اهـ. وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير عمارة بن ذادان وهو ثقة وفيه خلاف (طب عن أمّ هانئ) قال الهيثمي: فيه قائد العطار وهو متروك ورواه الطبراني أيضاً عن أبي أمامة. قال الهيثمي: وسنده حسن (عد عن أبي أمامة) قال في الميزان عن أبي حاتم وأبي زرعة: حديث باطل لا أصل له بهذا الإسناد.
4794 - (السبع المثاني) المذكورة في قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} (فاتحة الكتاب) قاله تفسيراً للآية المذكورة سميت بذلك لأنها سبع آيات باعتبار عدّ البسملة منها وهو ما نقله البخاري، فإن قيل المتبادر من إطلاق الحمد ينفي كونها منها: رد الأول بالمنع وإن سلم فلا ينبغي كونها منها والثاني بأن الحمد مميز دونها.
- (ك) في فضائل القرآن وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] والديلمي (عن أبيّ) بن كعب قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، ثم ذكره، صححه الحاكم.
4795 - (السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى) بن عمران (يوشع بن نون [ وهو نبي وكان يعمل بشريعة موسى عليه السلام)] وهو القائم من بعده (والسابق إلى عيسى) ابن مريم (صاحب يس) [ الذي قصته مذكورة في سورة يس في قوله تعالى {واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون} وذلك أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم عيسى اثنين فلما قربا من المدينة رأيا حبيباً النجار يرعى غنماً فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفي المرضى ونبرئ الأكمه والأبرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرئ فآمن حبيب وفشى الخبر ـ إلى آخر القصة.] حبيب النجار (والسابق إلى محمد عليّ بن أبي طالب) فأعظم بها من منقبة لعليّ وكم له من [ص 136] مناقب لا يشارك فيها. قال ابن حجر: إن ثبت هذا الحديث دل على أن قصة حبيب النجار المذكورة في يس كانت في زمن عيسى أو بعده وصنيع البخاري يقتضي أنها قبله.
- (طب وابن مردويه) في تفسيره كلاهما من وجه واحد (عن ابن عباس) قال الهيثمي: فيه الحسن بن أبي الحسن بن أبي الحسين الأشقر وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح اهـ. ورواه من هذا الوجه العقيلي في الضعفاء وقال: حسن المذكور شيعي متروك والحديث لا يعرف إلا من جهته وهو حديث منكر.
4796 - (السبيل) المذكور في قوله تعالى {من استطاع إليه سبيلاً} (الزاد والراحلة) سئل عن الآية فذكره. قال القاضي: وهو يؤيد قول الشافعي أنها أي الاستطاعة بالمال ولذلك أوجب الاستنابة على الزمني إذا وجد أجرة النائب وقال مالك: هي بالبدن فتجب على من أمكنه المشي والكسب في الطريق وجعلها أبو حنيفة بمجموع الأمرين.
- (الشافعي) في مسنده (ت) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب، وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن عبد اللّه الليثي وقال: ضعفه ابن معين وتركه النسائي (هق عن عائشة) قالت: قيل يا رسول اللّه ما السبيل في الحج؟ قال: الزاد والراحلة. رمز المصنف لصحته وليس بصواب، فقد قال الذهبي في المهذب: فيه إبراهيم بن يزيد وهو ضعيف لكن له شاهد مرسل وآخر مسند عن ابن عباس.
4797 - (السجدة التي في ص) أي في سورة "ص" (سجدها داود) نبي اللّه (توبة) أي شكراً للّه على قبول توبته كما تفسره رواية أخرى (ونحن نسجدها شكراً) للّه على قبوله توبة نبيه من خلاف الأولى الذي ارتكبه مما لا يليق بسمو مقامه لعصمته كسائر الأنبياء عن وصمة الذنب مطلقاً وما وقع في كثير من التفاسير مما لا ينبغي تسطيره [الكلام هنا بشأن سبب توبة داود عليه السلام.
هذا وإن ما ورد في تلك التفاسير منقول من الإسرائيليات ولا أصل له في الحديث ولا في سياق الآيات. قال تعالى:{ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب(22) إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط(23) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب(24) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب(25) فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب.}
فما وقع هنا هو أن داود عليه السلام حكم بظلم أحد الطرفين بمجرد تكلم خصمه ودون سماع طرفه، وهو إنما كان معذورا لفزعه من تسور الخصمين عليه ودخولهما في غير وقت العادة. هذا يؤيده نص الآيات المذكورة، وتؤيده الآية التي تلي:
{ يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب.}
ووجه التأييد هو أن الله تعالى ختم ذكر هذه القصة بهذه الآية، فاتضح منها أن الحكمة من تلك الحادثة كانت تقوية داود عليه السلام على الحكم بين الناس بالحق ولو أثناء فزعه.
وفي هذا المعنى قال الإمام فخر الدين الرازي في "عصمة الأنبياء" ضمن تفصيل كثير:
الخامس: أن الصغيرة منه إنما كانت بالعجلة في الحكم قبل التثبيت، وكان يجب عليه لما سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها، ولا يقضي عليه قبل المسألة. والمجيب بهذا الجواب قال: إن الفزع من دخولهما عليه في غير وقت العادة أنساه التثبت والتحفظ. دار الحديث]
فغير صحيح بل لو صح وجب تأويله لثبوت عصمتهم ووجوب اعتقاد نزاهتهم عن ذلك السفساف الذي لا يقع من أقل صالحي هذه الأمّة فضلاً عن الأنبياء وخص داود بذلك مع وقوع مثله لآدم وغيره لأن حزنه على ما ارتكبه كان عظيماً جداً. وهذا الحديث كما ترى صريح فيما ذهب إليه الشافعي من أن سجدة "ص" ليست من سجدات التلاوة، وجعلها أبو حنيفة منها وأوّل الحديث بأن غايته أن بين السبب في حق داود وفي حقنا وكونها للشكر لا ينافي الوجوب فكل واجب إنما وجب شكراً لتوالي النعم.
- (طب خط) في ترجمة موسى الختلي (عن ابن عباس) وفيه محمد بن الحسن الإمام أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: قال النسائي ضعيف. وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرّجاً لأحد من الستة وهو عجب فقد رواه النسائي في سننه عن الحبر أيضاً وفي مسند أحمد عن أبي سعيد: رأيت وأنا أكتب سورة "ص" حين بلغت السجدة الدواة والقلم وكل شيء حضر لي ساجداً فقصصتها على النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم يزل يسجدها.
4798 - (السجود على سبعة أعضاء: اليدين والقدمين والركبتين والجبهة) يعني أنه يندب وضعها على الأرض حال السجود على ما عليه الرافعي وقال النووي: يجب ويرجح إرادة الأول قوله (ورفع اليدين: إذا رأيت البيت) أي الكعبة إذ لم يقل أحد بوجوبه فيما رأيته (و) رفع اليدين أيضاً (على الصفا والمروة و) رفعهما (بعرفة وبجمع) أي بالمزدلفة (وعند رمي الجمار) أي الثلاثة المعروفة (وإذا أقيمت الصلاة) يعني عند التحريم بها وأوجب أحمد الأخير.
- (طب عن ابن عباس).
[ص 137] 4799 - (السجود على الجبهة والكفين والركبتين وصدور القدمين من لم يمكن شيئاً منها من الأرض أحرقه اللّه بالنار) فيه وجوب وضع السبعة أعظم المذكورة مع التحامل عليها وهو المفتى به عند الشافعية خلافاً للرافعي منهم بل قضية الخبر أن ترك ذلك كبيرة للتوعد عليه بالنار ومحل بسط ذلك كتب الفروع.
- (قط في الأفراد عن ابن عمر) بن الخطاب.
4800 - (السحاق بين النساء زنا بينهن) أي مثل الزنا في لحوق مطلق الإثم وإن تفاوت المقدار في الأغلظية ولا حد فيه بل التعزير فقط لعدم الإيلاج فإطلاق الزنا العام على زنا العين والرجل واليد والفم مجاز.
- (طب عن وائلة) بن الأسقع ورواه عنه الديلمي.
4801 - (السحور كله بركة) أي زيادة في القدرة على الصوم أو زيادة في الأجر (فلا تدعوه) أي لا تتركوه (ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء) فلا يتركه بحال (فإن اللّه وملائكته يصلون على المتسحرين) وصلاة اللّه عليهم رحمتهم وصلاة الملائكة استغفارهم لهم وهذا ترغيب عظيم فيه كيف وهو زيادة في القوة وزيادة في إباحة الأكل وزيادة في الرخص المباحة التي يحب اللّه أن تؤتى وزيادة في الحياة وزيادة في الرفق وزيادة في اكتساب الطاعة فكأنه جعل السحور وقتاً لزيادة النعمة ودفعاً للنقمة فتدبر.
- (حم عن أبي سعيد) الخدري قال الهيثمي: فيه ابن رفاعة ولم أجد من وثقه ولا من جرحه وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته.
4802 - (السخاء خلق اللّه الأعظم) أي هو من أعظم صفاته العظمى والخلق بالضم السجية قال الماوردي: وحد السخاء أي في المخلوق بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة وأن يوصل إلى مستحقه بقدر الطاقة وتدبير ذلك مستصعب ولعل بعض من يحب أن ينسب إلى الكرم ينكر حد السخاء ويجعل تقدير العطية فيه نوعاً من البخل وأن الجود بذل الموجود وهنا تكلف يفضي إلى الجهل بحدود الفضائل ولو كان حد الجود بذل الموجود لما كان للسرف موضعاً ولا للتبذير موقعاً وقد ورد الكتاب والسنة بذمهما وإذا كان السخاء محدوداً فمن وقف على حده يسمى كريماً واستوجب المدح ومن قصر عنه كان بخيلاً واستوجب الذم. إلى هنا كلامه. وقال الراغب: السخاء هيئة في الإنسان داعية إلى بذل المقتنيات حصل معه البذل أو لا ومقابله الشح. والجود بذل المقتنى ويقابله البخل هذا هو الأصل وقد يستعمل كل منهما محل الآخر وقد عظم اللّه الشح وحذر منه في آيات كثيرة. وقال في الإحياء: الإمساك حيث يجب البذل بخل والبذل حيث يجب الإمساك تبذير وبينهما وسط هو المحمود والجود والسخاء عبارة عنه ولا يكفي أن يفعل ذلك بجوارحه ما لم يكن قلبه طيباً به وإلا فهو متسخي لا سخي. وقال بعضهم: السخاء أتم وأكمل من الجود وضده البخل وضد السخاء الشح والجود والبخل يتطرق إليهما الاكتساب عادة بخلاف ذينك فإنهما من ضروريات الغريزة فكل سخي جواد ولا عكس والجود يتطرق إليه الرياء ويمكن تطبعه بخلاف السخاء كما في العوارف فلذا قال السخاء ولم يقل الجود.
- (ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن ابن عباس) وضعفه المنذري وظاهره أنه لم يخرجه أحد ممن وضع لهم الرموز مع أن أبا نعيم والديلمي خرجاه عن عمارة باللفظ المزبور بل رواه أبو الشيخ [ابن حبان] ابن حبان في كتاب الثواب.
[ص 138]
4803 - (السخاء) قال ابن العربي: وهو لين النفس بالعطاء وسعة القلب للمواساة (شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة والبخل شجرة من شجر النار أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن إلى النار) يعني أن السخاء يدل على كرم النفس وتصديق الإيمان بالاعتماد في الخلق على من ضمن الرزق وهو على كل شيء قدير فمن أخذ بهذا الأصل وعقد طويته عليه فقد استمسك بالعروة الوثقى الجاذبة له إلى ديار الأبرار والبخل يدل على ضعف الإيمان وعدم الوثوق بضمان الرحمن وذلك جاذب إلى الخسران وقائد إلى دار الهوان وقيل: ومن أقبح ما في البخيل أنه يعيش عيش الفقراء ويحاسب محاسبة الأغنياء وقيل: البخل جلباب المسكنة والبخيل ليس له خليل. <تنبيه>
سخاء العوام سخاء النفس ببذل الموجود وسخاء الخواص سخاء النفس عن كل موجود ومفقود غني بالواحد المعبود فلما سخي بالأشياء وعنها اعتماداً على مولاه اكتنفه فمتى عثر في مهلكة تولاه.
- (قط في الأفراد) وكذا في المستجاد (هب) كلاهما (عن عليّ) أمير المؤمنين (عد هب) كلاهما عن محمد بن منير المظهري عن عثمان بن شيبة عن أبي غسان محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران بن أبي حنيفة عن داود بن الحصين عن الأعرج (عن أبي هريرة) قال مخرجه البيهقي: وهو ضعيف وقال ابن الجوزي: لا يصح داود ضعيف (حل) عن الحسن بن أبي طالب عن عبد اللّه بن محمد الخلال عن أحمد بن الخطاب بن مهران التستري عن عبد اللّه بن عبد الوهاب الخوارزمي عن عاصم بن عبد اللّه بن عبد العزيز بن خالد عن الثوري عن أبي الزبير (عن جابر) بن عبد اللّه قال ابن الجوزي: موضوع عاصم ضعيف وشيخه كذاب ثم قال أبو نعيم: تفرد به عبد العزيز بن خالد وعنه عاصم بن عبد اللّه (خط) في ترجمة أبي جعفر الطيالسي (عن أبي سعيد) الخدري ثم قال: إنه ـ أعني الحديث ـ حديث منكر ورجاله ثقات اهـ. (ابن عساكر) في التاريخ (عن أنس) بن مالك لكن مع اختلاف في اللفظ ولفظه عن أنس قال: أول خطبة خطبها رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إن اللّه قد اختار لكم الإسلام ديناً فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء وحسن الخلق ألا إن السخاء شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن كان منكم سخياً لا يزال متعلقاً بغصن من أغصانها حتى يورده اللّه الجنة ألا إن اللؤم شجرة في النار وأغصانها في الدنيا فمن كان منكم لئيماً لا يزال متعلقاً بغصن من أغصانها حتى يورده اللّه النار اهـ. وفيه ضعفاء ومجاهيل (فر عن معاوية) ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة. قال الزين العراقي: وطرقه كلها ضعيفة وأورده ابن الجوزي في الموضوع.
4804 - (السخي قريب من اللّه) أي من رحمته وثوابه فليس المراد قرب المسافة. تعالى اللّه عنه، إذ لا يحل الجهات ولا ينزل الأماكن ولا تكتنفه الأقطار (قريب من الناس) أي من محبتهم فالمراد قرب المودة (قريب من الجنة) لسعيه فيما يدنيه منها وسلوكه طريقها فالمراد هنا قرب المسافة وذلك جائز عليها لأنها مخلوقة وقربه منها برفع الحجاب بينه وبينها وبعده عنها كثرة الحجب فإذا قلت الحجب بينك وبين الشيء قلت مسافته، أنشد بعضهم:
يقولون لي دار الأحبة قد دنت * وأنت كئيب إن ذا لعجيب [ص 139]
فعلت وما تغني ديار قريبة * إذا لم يكن بين القلوب قريب
والجنة والنار محجوبتان عن الخلق بما حفتا به من المكاره والشهوات وطريق هتك هذه الحجب مبينة في مثل الإحياء والقوت من كتب القوم (بعيد من النار والبخيل بعيد من اللّه) أي من رحمته (بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار) وقال الغزالي: والبخل ثمرة الرغبة في الدنيا والسخاء ثمرة الزهد والثناء على الثمرة ثناء على المثمر لا محالة والسخاء ينشأ من حقيقة التوحيد والتوكل والثقة بوعد اللّه وضمانه للرزق وهذه أغصان شجرة التوحيد التي أشار إليها الحديث والبخل ينشأ من الشرك وهو الوقوف مع الأسباب والشك في الوعد قال الطيبي: التعريف في السخي والبخيل للعهد الذهني وهو ما عرف شرعاً أن السخي من هو والبخيل من هو وذلك أن من أدى الزكاة فقد امتثل أمر اللّه وعظمه وأظهر الشفقة على خلقه وواساهم بماله فهو قريب من اللّه وقريب من الناس فلا تكون منزلته إلا الجنة ومن لم يكن كذلك فبالعكس ولذلك كان جاهل سخي أحب إلى اللّه من عابد بخيل كما قال: (ولجاهل سخي أحب إلى اللّه من عابد بخيل) فخولف ليفيد أن الجاهل غير العابد السخي أحب إلى اللّه من العابد العالم البخيل فيا لها من حسنة غطت على عيبين عظيمين ويا لها من سيئة حطت حسنتين خطيرتين على أن الجاهل السخي سريع الانقياد إلى ما يؤمر به من نحو تعلم وإلى ما ينهى عنه بخلاف العالم البخيل.