كتبه: أبو عمار علي الحذيفي.
المقدمـة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه (دروس وحلقات في التوحيد)، كتبتها تقريباً للتوحيد وتسهيلاً له على المبتدئين، وتتكون من عدة حلقات، وهذه هي الحلقة الأولى في (فضل التوحيد وعظيم أثره) وتتكون هذه الحلقة من عدة فصول وهي:
الفصل الأول: المنهج الذي نكتب به علم التوحيد.
الفصل الثاني: فضــل التوحيد ومكانته وأثره.
الفصل الثالث: في الدعوة إليه.
الفصل الرابع: في شبهات تثار حول الدعوة إلى التوحيد.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع به القارئ والكاتب في الدارين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
عدن / صفر/ 1428هـ
الفصل الأول: المنهج الذي نكتب به علم التوحيد:
لقد قرأت بعض المناهج التي أعدت لبعض طلاب المدارس لدراسة التوحيد فوجدتها بحق مناهج ضعيفة، ويكفي أن نذكر أن أكبر سبب لذلك هو أن الكاتب ليس من أهل الاختصاص، فالكتابة في "باب: التوحيد" ليست بالأمر الهين الذي يحسنه كل شخص، بل للكتابة في ذلك ضوابط معروفة عند أهل العلم، وطريقة خاصة يفهمونها ويسيرون عليها، ونحن نبين ما استطعنا من ذلك، فمن ذلك:
أولاً: تبيين القائمين على التدريس أهمية دراسة التوحيد، وضرورة عودة الناس إليه، وتمسكهم به في أقوالهم وأفعالهم ومقاصدهم، مع بيان عظيم أثره على الفرد والمجتمع ظاهراً وباطناً وقولاً وعملاً، ذلك ليكون الطالب على قناعة من دراسته، ثم تدريسه بعد خروجه وتأهله للتدريس، ولا يكفي أن يدرس الطالب هذا الباب على أنه فن من الفنون التي تدرس، دون دراية تامة بمنزلته في الشريعة، وحاجة الناس إليه في واقعهم عموماً وفي واقع المسلمين خصوصاً.
ثانياً: ربط التوحيد النظري في ذهن الطالب بالتوحيد العملي في واقع الناس، فيبين له ما عليه كثير من الناس اليوم من أفعالهم وأقوالهم ومقاصدهم الموافقة والمخالفة، وضرورة تصحيح هذه الأشياء، إلى غير ذلك مما يفهم به الطالب مقاصد الشرع من هذا الفن العظيم، فلا يكفي حفظ التعاريف والتقاسيم حتى يربط هذا بهذا، فيكون التوحيد في المجتمع قائماً قولاً وعملاً.
ثالثاً: الاهتمام بأنواع التوحيد كلها، ولاسيما أمران يحتاجه المجتمع الإسلامي اليوم:
1- التعريف بداء الأمم وهو الشرك في الألوهية مع الاهتمام بغيره من أنواع التوحيد، ولكن العناية بتوحيد الألوهية مقدمة على غيره من الأنواع الأخرى، لأن هذا الباب يقع فيه الشرك كثيراً، وهو الباب الذي دخل فيه أكثر الشرك على الأمم، كما هو معلوم وسيأتي بيانه إن شاء الله.
2- ثم الاهتمام بتوحيد "الأسماء والصفات" لأن هذا الباب اختلف فيه الناس، ولاسيما مع وجود المدارس والجامعات والأربطة التي تدرس المذاهب المنحرفة اليوم في باب "الأسماء والصفات".
وإن من الخطأ الذي يقوم به بعض المدرسين اهتمامهم بتوحيد الربوبية دون غيره من أنواع التوحيد ولاسيما، بل هذا هو التوحيد عند كثير من الكلاميين كما سيأتي إن شاء الله، وهذا غلط لأن أغلب الشرك إنما يقع في باب: توحيد الألوهية، ويقع كثير من التخليط كذلك في باب "الأسماء والصفات".
رابعاً: لابد من تبيين خطورة الشرك وسوء آثاره على الفرد والأمم، وبيان أهمية التحذير منه بالقول والعمل، ومفاصلة أهله القائمين عليه والداعين إليه بجميع صورهم ومختلف أنواعهم، لأن هذا من الكفر بالطاغوت الذي هو الركن الثاني للتوحيد كما قال تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى)، وهو من مقاصد بعثة الرسل كما قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
خامساً: وضوح العبارة وسهولتها وبعدها عن الغموض، مع ضرب الأمثلة ليفهم الطالب الصورة التي أراد الشرع امتثالها أو النهي عنها، لأن مقصود الرسالة هو التوضيح والتبيين كما قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم).
سادساً: تمكين المتأهلين فقط في تدريس التوحيد، لأن قوة الشيخ أو المدرس في العلم الذي يدرسه، له أثر كبير في محبة الطالب لهذا لفن، وتعلقه به، وتمكنه في نفسه كما لا يخفى، ويخرج الطالب ضعيفاً في فن من الفنون لأنه أثر شيخه عليه كان ضعيفاً.
الفصل الثاني: فضــل التوحيد ومكانته وأثره:
المبحث الأول: مكانة التوحيد:
للتوحيد فضل عظيم يدل على علوّ مكانته في الدين، وهذه الفضائل كثيرة ولكننا سنذكر بعضها، فمن ذلك:
الأول: أنه الغاية من خلق الخلق كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فأخبر سبحانه أن خلق الخلق لحكمة وهي إفراده بالعبادة ولم يخلقهم لحاجة فهو الغني سبحانه كما قال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) وقال تعالى: (والله الغني وأنتم الفقراء).
وهناك فرق بين قولنا: (خلق الخلق لحاجة) وقولنا: (خلق الخلق لحكمة) فالأول نقص في حقه سبحانه ينافي كمال غناه سبحانه، والثاني حق ثابت له وصفة من صفاته فهو يفعل ما يشاء لحكمة، وكل شيء عنده لحكمة فهو منزه عن الظلم والعبث، وتمام الآية يدل على ما ذكرناه فقد قال تعالى: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) فأخبر سبحانه أنه لا يحتاج إلى عباده وإنما هم المحتاجون إليه، فهو الذي يرزقهم ويمدهم بأقواتهم ويدبر معايشهم، ويصلح أمورهم، ويجبر كسيرهم، ويعطي فقيرهم.
فالتوحيد حق الله على عبيده جميعاً، ويدخل في ذلك الملائكة والإنس والجن فكلهم عبيده، وحقه عليهم أن يفردوه بالعبادة ولا يشركوا به شيئاً، ومن أشرك به عذبه، وإن كان من الملائكة كما قال تعالى: (ومن يقل منهم إني إله فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) وفي الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (أتدري ما حق الله على العباد، وحق العباد على الله ؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ..) وهو في "الصحيحين".
فحق الله على العباد أن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئاً، فهذا حقه العظيم الذي لا يرضى به بديلاً، ولو افتدى المشرك عنه بملء الأرض ذهباً كما قال تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به، أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين).
الثاني: أن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب للدعوة إليه، كما بين ذلك في كتابه الكريم وهذا التبيين على طريقتين:
الأولى الإجمالية: أي يذكر عن الرسل جملة، كما قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) وقال: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وقال: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله).
الثانية التفصيلية: أي يذكر عن رسول بعينه ما يدل على ذلك كقوله تعالى: (وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره) وقال: (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره) وقال: (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت ليعبد الله وحده) رواه أحمد عن ابن عمر، وصحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ العراقي والحافظ ابن حجر.
ومن تأمل في هؤلاء الآيات والأحاديث وجد أن بعثة الرسل كانت لغاية واحدة هي تحقيق توحيد الألوهية – توحيد العبادة – إذ أن الشرك في غالب الأمم وقع في هذا الباب، حيث صرفوا أنواع العبادة لأوثانهم وأصنامهم، فأرسل الله الرسل لنبذ الشرك وإزالة مظاهره وإخلاص العبادة لله وحده، ومن الجهل أن يقال إن الله أرسل الرسل لدعوة الناس إلى الإيمان بالله وأنه رب العالمين، فإن الرسل لم تبعث لهذا لأن هذا كان مستقراً في قلوب الناس، ولم تنازع فيه الأمم، و القلة القليلة التي أنكرته إنما أنكرته مكابرة وعناداً.
فهذه دعوة الرسل التي يدعون الناس إليها ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً.
الثالث: أن الله أنزل له الكتب، فعمدة تعاليم هذه الكتب هو الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك به كما قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) فأخبر أنه أنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، ورأس القسط والعدل هو توحيده وعبادته، ورأس الظلم وأسوأه هو الشرك بالله وصرف العبادة لغيره.
قال ابن القيم في "مدارج السالكين" (3/468-469): (بل نقول قولاً كلياً إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم).
الرابع: أمر الله بالجهاد فجردت السيوف من أغمادها لإقامة التوحيد وتصفية معاني الشرك الباقية في القلوب، وتحطيم مظاهره في المجتمع كالأوثان وغيرها، كما قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) والفتنة في هذا الموضع هي الشرك، وإنما شرع القتال لاستئصاله وإذهابه وقطع عروقه، وتطهير المجتمعات منه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) وفيه أن القتال إنما شرع لغاية واحدة هي تحقيق الشهادتين ودعوة الناس إليهما.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه الشيخان، وفيه أن القتال الذي يرتضيه الله هو ما كان لإعلاء كلمة الله لتكون ظاهرة على غيرها.